مدوناتي

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

أخطاء "العسكر" التى فجرت الثورة الثانية


منذ سقوط «مبارك»، والحديث عن المشير حسين طنطاوى والمجلس العسكرى، لاينقطع، ولا يتوقف، باعتبارهم السلطة التى تحكم وتدير شئون البلاد،
وتحرك خيوط اللعبة السياسية بكل أبعادها وتفاصيلها المعقدة، وصراعاتها المحمومة التى تجرى على السطح علناً، أو التى تدور فى الخفاء خلف الكواليس والغرف المغلقة، فالرأى العام مشغول بكل فئاته ونخبه المختلفة،بما يصدر عنه من بيانات وقرارات أو ما يوجه ضده من انتقادات ترقى أحياناً الى حد الاتهامات، التى تتراوح ما بين ارتكاب الأخطاء بالدخول فى معارك إعلامية، وعدم القدرة على حسم القضايا التى تخص مستقبل الشعب ومصير البلاد، لكن أكثرها حدة هى التى يتم تداولها على نطاق واسع تزامناً مع الأحداث الملتهبة التى تجتاح مصر الآن،فى مقدمتها احتواء الثورة وحويل مسارها والقفز على مطالبها الأساسية.  وعقد صفقات مع أطراف سياسية، وهى ذات الأمور التى فجرت الغضب فالمشير والمجلس دخلوا جميعاً فى لعبة، يفتقدون آلياتها ولا يملكون خبرة التعامل المباشر مع الجمهور، وربما لهذه الأسباب تنامت القصص والحكايات المرتبطة بالتكهنات والأخطاء على حد سواء. ففى البداية كان أمراً طبيعياً، ان يبحث المجلس عن اقامة الجسور مع القوى الشعبية، من خلال بعض العناصر اللاعبة فى مسرح السياسة، كى يمرر ما يريد من رسائل سياسية، لجس النبض حول طريقة تأسيس النظام المطلوب لكن الخطأ الذى وقع فيه، هو أن يكون الحل الوحيد لديه، مع القوى السياسية فقط، دون الالتفات الى ممثلين عن الشباب، وتتمادى الأمور الى عقد اتفاق مع احداها، لتكون الجسر الذى يعبر اليه لمخاطبة الشارع، وكان الإخوان هم الأقرب، لأنهم قوة منظمة، ومعروف عنهم عقد الصفقات عبر عصور الحكم وتعدد الأنظمة السياسية، الى جانب مقومات أخرى منها انهم الجزء الفاعل فى الحياة السياسية،وقد صحب ذلك بعض التكهنات منها ارتياح الامريكان لوجود صفقة من هذا النوع بين العسكر والإخوان.. وذلك لوجود علاقات مشبوهة بين الإخوان ونظام مبارك وشبكة من العلاقات مع دول عربية مجاورة لها علاقات بأمريكا، ووجدت الجماعة ضالتها المنشودة، التى ظلت تنتظرها وهى تتصدر المشهد، عن طريق احتواء الثورة وركوب موجتها فجاءت قضية الدستور والانتخابات والشكل الديمقراطى، هنا تبلورت مطامح الاخوان فى السيطرة على مقاليد الأمور متجاوزين المصالح العليا للبلاد، والغريب فى الأمر ان المجلس العسكرى كان دائم الاستجابة لرغباتهم باعتبارهم القوى السياسية الضاغطة وأدى ذلك فى البداية إلى مسلسل من الاخطاء، وصل بالبلاد الى مانحن فيه الآن، من تخبط وفوضى فى الشارع الى جانب تجدد الثورة في الميادين، فكانت البداية داخل هذه السلسلة هى اختيار المستشار طارق البشرى رئيساً للجنة تعديل الدستور ومن المحتمل ان يكون اختياره جزءاً من الصفقة التى جرى التكهن بوجودها، لأن البشرى قريب من التيار الإسلامى، اضافة الى صبحى صالح ممثلاً عن تيار الإخوان وبعد اتمام صياغة مشروع الاستفتاء، كانت النتائج كارثية فاعتبر الإخوان ان النتيجة تأييد لمطالبهم، واعتبر المجلس العسكرى ايضاً النتائج تأييداً له، وهذا يضاف الى عدم الخبرة بالشأن السياسى، لأن الرأى العام يدرك مكانة الجيش الى جانب حمايته للثورة، وعدم الدخول فى مواجهات مع الشعب، اتساقاً مع المواقف الثابتة والمبدئية، بأنه لا يوجه السلاح المملوك للجيش ضد الشعب، الأمر الذى جعل من المؤسسة العسكرية تحقق كسباً غير مسبوق، لكن هناك بعض الأمور كانت لافتة للنظر،هى من الأخطاء التى ارتكبت بعد ثورة يناير لعل أهمها وأبرزها السير على نفس الأسلوب والأداء اللذين كانا سائدين فى عهد «مبارك» ونظامه الذى ولى،فى مقدمتها التعامل بالشكل النمطى والتقليدى فى أحداث الفتنة الطائفية، على طريقة الجلسات العرفية، التى يتبارى فيها الدعاة والشيوخ والقساوسة لاثبات المحبة والجسد الواحد والنسيج الوطنى وينتهى الأمر بالعناق والأزمة كامنة تحت الرماد، تحتاج لمن ينفخ فيها وما اكثر الراغبين فى ذلك الى جانب فوقية القرارات التى كانت سمة سائدة فى كافة الأنظمة التى تجعل من الحاكم إلهاً، فكان مثل هذا النمط يدفع بعض القوى الانتهازية الى الاستجداد بعد أن تقوى شوكتها تخرج لسانها للجميع.
أما المثير للدهشة ويدفع الى اللغط، هو ما يتم تداوله الآن من بعض المعلومات التى تفيد ان المجلس اطلق التيارات الدينية لإشاعة الرعب والمطالبة ببقائه أطول فترة ممكنة وهو الأمر الذى التزم المجلس العسكرى حياله صمتاً غريباً، واكتفى فقط بنفى قصير لما يتردد فى أوساط الرأى العام وخاصة اذا ما علمنا ان المشير والمجلس لا يصدرون أية بيانات عن الشأن السياسى تاركين الكرة فى ملعب حكومة شرف العاجزة عن اتخاذ قرار فمنذ البداية والأيادى مرتعشة وتخشى النزول إلى ميدان التحرير وتركت الأمور سداح مداح حتى خرجت الثورة مرة ثانية ولا أحد يعلم ما ستذهب إليه فى الأيام القادمة،أما أكثر الانتقادات التى وصلت الى حد الاتهامات، هى الخاصة باجراء الانتخابات اللغم الذى وضعه المستشار البشرى فى مشروع الاستغناء على التعديلات الدستورية وأصبح هذا اللغم بمثابة المطلب الأهم لدى بعض التيارات السياسية التى لم تنظر الى مايجرى فى البلاد وهو اجراء الانتخابات البرلمانية قبل الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية. فالذى كان يعبر عن التأييد للمجلس العسكرى صار ورقة ضاغطة لرحيل المجلس نفسه إما الانتخابات أو الرحيل والرحيل لا يعنى سوى الفوضى وعدم وجود دولة من الأساس، أما أكثر الاخطاء التى دفعت الى الاستهانة بمؤسسات الحكم فى الدولة هو الاستجابات التى كان يقدمها يومياً عصام شرف لبعض المطالب، التى لا تراعى مصلحة البلاد باعتبارها  مطالب فئوية وتعبر عن مصالح سياسية فتشكلت ائتلافات لا حصر لها ولا يعرف احد عن كيفية تأسيسها أى شىء..فضلاً عن الدخول فى المعارك الكلامية فى وسائل الاعلام، والأكثر فداحة، هو وجود الجيش «الشرطة العسكرية» فى الشارع، لعل أبرز مشاهد هى ماحدث فى ماسبيرو فهذا وحده كاف لكشف كافة الأخطاء لأن البلاد تغرق ولا أحد يحسم الأمور.

كما لم يكن خروج المتظاهرين بالآلاف يوم «19 نوفمبر» الجارى إلا لنقض العهود التى قطعها المجلس العسكرى على نفسه واحداً تلو الآخر، لذلك كان الاعتداء على المعتصمين من مصابى الثورة الشرارة التى أشعلت نيران الثورة الثانية.
فالثوار الذين استقبلوا الدبابات عند نزولها مساء «28 يناير» استقبال الفاتحين، هم أنفسهم الذين وقفوا فى ميدان التحرير قبل أيام يهتفون «يسقط يسقط حكم العسكر» رغم ان الفترة بين الحدثين لا تتجاوز «300» يوم، وهو مايطرح تساؤلات كثيرة حول مدى مسئولية المجلس العسكرى عن حدوث هذا الانهيار الشديد فى العلاقة بين الثوار والجيش.
المجلس الذى تولى السلطة فى أعقاب خلع حسنى مبارك، حدد بنفسه نقل الحكم الى سلطة مدنية منتخبة خلال ستة أشهر من صدور الإعلان الدستورى فى مارس الماضى، وهى المهلة التى انتهت بالفعل فى شهر سبتمبر الماضى دون أن يتخذ العسكر أى خطوة على طريق تسليم السلطة.
ورغم أن المجلس العسكرى حدد «28 نوفمبر» الجارى موعداً لبدء الانتخابات الا انه سمح لكل بقايا ومخلفات الحزب الوطنى بخوض المعركة الانتخابية وانفاق الملايين فى سبيل العودة الى البرلمان، والعمل على اعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل «25 يناير»، وتباطأ العسكرى فى اصدار قانون العزل السياسى قبل أن يلجأ اليه مضطراً الاثنين الماضى بعد ما خرجت الأمور عن السيطرة.
أما انتخابات الرئاسة فكان مصيرها غامضاً تماماً، لدرجة توقع البعض معها عدم وصول رئيس منتخب الى قصر العروبة قبل 2013، وهو ما يعنى استمرار الجيش فى السلطة لمدة تتجاوز السنتين وليس ستة أشهر فقط، مما دفع عدداً من مرشحى الرئاسة لتعليق حملاتهم الانتخابية لحين تحديد موعد واضح لاجراء الانتخابات كما فعل الدكتور محمد سليم العوا، لأنه من غير المنطقى استمرار الحملات الى مالا نهاية.
العهد الثانى الذى قطعه المجلس العسكرى على نفسه ثم نقضه فيما بعد، تأكيد قياداته على رفضهم أوامر من الرئيس السابق باطلاق النار فيما بعد،و بصرف النظر على  كونهم نفوا فيما بعد صدور هذه التصريحات عنهم، الا ان المجلس أكد فى رسائله المتتالية التأكيد على أن الجيش الوطنى لا يمكن ان يرفع سلاحه فى وجه المصريين.
هذا العهد نقضه العسكر أيضاً يوم «9 أكتوبر» الماضى عندما قتل عشرات الأقباط أيضاً أمام ماسبيرو أثناء تظاهرهم ضد أحداث كنيسة المريناب، ودهست المدرعات بعض المتظاهرين ومات البعض الآخر بالرصاص الحى، ولم يصدق أحد البيانات العسكرية التى حاولت توجيه أصابع الاتهام الى اصابع خفية هى التى أطلقت النار على متظاهرى ماسبيرو خاصة مع عدم توجيه اتهامات واضحة لأى شخص بالمسئولية عن الأحداث.
وتطور الأمر حتى بلغ ذروته الأيام الماضية عندما استخدمت الشرطة العسكرية العنف المفرط لفض الاعتصام السلمى وشاركت وزارة الداخلية فى ضرب المتظاهرين بجميع أنواع الرصاص الحى والمطاطى والخرطوش ثم اطلقت عليهم الغازات السامة لاجبارهم على ترك الميدان، وهذا العنف قطع شعرة معاوية بين الثوار والمجلس العسكرى حتى خشى البعض من تحول الأمر الى فتنة بين المصريين وجيشهم، لكن كثيراً من الأصوات العاقلة تدخلت لتصحيح المسار والتأكيد على وجود فارق بين الجيش والمجلس العسكرى.
وفى السياق ذاته، نقض المجلس وعده بعدم احالة المدنيين الى المحاكمات العسكرية، وأصر على الضرب بيد من حديد على كل من يخرج عن السياق الذى رسمه، والدليل على ذلك احداث ماسبيرو التى احال المجلس على اثرها عدة ناشطين الى المحاكمة العسكرية وعلى رأسهم المدون علاء عبدالفتاح، فعلى مدار عدة أسابيع بحت أصوات الآلاف فى المظاهرات والوقفات وكادت امه تموت بسبب إضراباً عن الطعام تضامناً مع ابنها، ورغم ذلك لم يغير العسكر موقفهم الصلب، مصرين على مواصلة القضية على هذا النحو بدعوى اعتداء المتهمين على جنود الجيش.
ورغم كل ذلك لم يحقق المجلس مع أحد الضباط أو مجند واحد بتهمة قتل المتظاهرين او دهسهم تحت مدرعاتهم ولم يتراجع المجلس الا تحت ضغط التحرير ليصدر قراره أول أمس باحالة التحقيقات فى احداث ماسيبرو واشتباكات التحرير من النيابة العسكرية الى النيابة العامة،وهو نفس اسلوب مبارك فى التعامل مع الأزمات وعدم اتخاذ أى قرار الا بضغط شعبى رهيب، وبعد فوات الأوان.
وعد المجلس كذلك بالحفاظ على مدنية الدولة واعتبر نفسه ضامناً لذلك، حتى ان الفريق سامى عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ونائب رئيس المجلس الأعلى ان مدنية الدولة قضية أمن قومى لا مساومة فيها أو عليها، وحذر من تربص قوى خارجية بمصر والسعى للتدخل فى شئونها ورغم كل هذه الوعود سلم العسكر الدولة للقوى الإسلامية التى نجح ضغطها بالمليونيات فى اجبار المجلس العسكرى على تحويل وثيقة السلمى من وثيقة حاكمة للدستور، الى مجرد وثيقة استشارية لا تلزم أحداً، وهذا ما جعل القوى الليبرالية تدرك ان المجلس لا يستجيب لأى مطلب الا بالنزول للتحرير، وهو ما حدث وأثبت الليبراليون ان لهم صوتاً ايضاً، لكن الأمور للأسف كانت قد أخذت فى التصاعد وتجاوزت نقطة العودة.

الوفد

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الزوار

Copyright Text

اقرأ ايضا

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...